الأربعاء، ٧ جمادى الآخرة ١٤٣٤ هـ

عصر الحديث (عصر النهضة)


الباب الثاني
أ‌.       تعريف عصر الحديث (عصر النهضة)
كانت حالة البلاد العربية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادى غاية ما وصلت إليه من الفساد والاضمحلال حكومة وأخلاقاً ولغةً وأدباً، فرأت أوربة أن قد ان الأوان لأنّ تجدِّد غاراتها عليها ففعلت، ولكن لا يشكل الحروب الصليبية الممقوتة، بل بدعوى نشر متاجرها وبث علومها وادابها، وبمحاربة الواقفين لها في طريقها، فابتدئ ذلك بحملة نابوليون على مصر والشام، الّتي حاولت نشر علم أوربة وأدبها في العلوم العربية، وإنّ سبقها بقليل بوادر نهضة علمية عربية.[1]
وعصرالنهضة هو العصر الذي نهض فيه العرب من كبوتهم، و ممّا كانوا فيه من جهلٍ، وفساد أنظمة، و تأخّرٍ شمل مجمل الميادين.
 بدأ هذا العصر بحملة نابوليون بونابرت إلى مصرعام 1798 م، وما رافقها من بعثات علمية أيقظت الأذهان، وحملتها على نفض غبار الجمود، والأخذ بأساليب حضاريّة ملائمة لحاجات العصر.[2]

ب‌.    الحياة في عصر النهضة
وتنقسم الحياة في هذا العصر إلى أربعة أقسامٍ:
أ‌.        الحياة السياسيّة
اتّصف الحكم العثماني بالظلم والاستبداد، واعتماد مبدأ "فرّقْ تسُدْ". ممّا حمل بعض المستنهرين الذين اطلعوا على أفكار الحضارة الأوروبيّة ومضامينها، ولاسيما ما يتعلّق بمفهوم الحريّة، على المطالبة بالمساواة والعدل والاستقلال، وذلك بتشجيع من الدول المتنافسة على إرث بني عثمان، وبعوامل نهضويّة أخرى تمثّلت في إنشاء المدارس، وكثرة المطابع، والصّحف والمجلاّت، والمجمعيّات، والاتّصال المباشر بالعرب سواء عن طريق الارساليّات الأجنبية، أو عن طريق البعثات الدينيّة والعلميّة إلى الدول الأوروبية، أو عن طريق التجارة، والمستشرقين. غير أنّ نتائج الحرب العالميّة الأولى وضعت لبنان وسوريا تحت الانتداب الفرنسي، ومصر وفلسطين والسودان والعراق تحت الانتداب الإلكليزى.... وهذا الأمر لم يثنهم عن المطالبة بالاستقلال التامّ حتّى تمّ لهم فيما بعد.
وبعد الحرب العالميّة الثانيّة شهدت المنطقة العربيّة بعض المحاولات التوحيدية ما لبثت أن باءت بالفشل. والذي أقلق العرب وعكّر صفاء عيشهم قيام الدولة العربية في فلسطين، وما رافقها من سلامٍ يعيد الحقّ إلى نصابه.
ب‌.   الحالة الاجتماعيّة والاقتصاديّة
كان المجتمع العربي في أوائل عصر النهضة على جانب كبير من التخلّف، يعيش على الزراعة. تحكمه الإقطاعية المستبّدة، فالحاكم مطلق الصلاحية، يفرض الضرائب على هواه ليستعيد أضعاف ما دفعه للباب العالي من رشوة وما شابه. فساد الفساد وعمّت الفوضى. أمّا الصناعة فكانت ضعيفه أيضاً، ومقتصرة على بعض الحرف اليدويّة البدائيّة وخاصة في المدن الصّغيرة والقُرى. أمّا المدن الكبرى، فقد عرفت نوعاً من التجارة، وتشمل الحبوب والأخشاب والأقمشة وسواها.
وبشكل عام، فإنّ الحياة الاجتماعية لم تكن مستقرّة، فالقوي يأكل الضعيف، والغنيّ يستأثر بالفقير، ممّا جعل النفوس تتململ وتتّجه نحو إيجاد نظام عادل يؤمّن حياة كريمة لجميع المواطنين.[3]
ت‌.   الحياة الفكريّة
كانت بداية عصر النهضة امتداداً لعصر الانحطاط، فكراً بدائياً ضيّق الأفق، غارقاً في الشعوذات والخرافة. فالعلم يدور حول بعض الأمور الدينيّة واللغويّة المنحصرة في عدد قليل من الناس، والأدب غنيّ بالصنعة والتكلّف، والركاكة وشيوخ الأخطاء اللغويّة، وسخف المعاني. والمدارس قليلة، ولا يرودها إلاّ أبناء الأغنياء، ولا يتلقّنون إلاّ بعض الدراسات البدائية.
وما كادت جسور الاحتكاك يمتدّ بين الشرق والغرب، حتّى انطلقت بواعث النور، وتزايدت واحات اليقظة والوعي، فراح العرب يحاكون الغرب، ويغرفون من معينه، وينادون بالاستقلال والتحرّرمن نير الأجنبي، وإحياء الروح القوميّة، والحسّ والوطني والاجتماعي الذي من تأثيره أن اندفع المفكرون إلى المطالبة بتدابير قائمة على  المساواة والعدالة الاجتماعية للقضاء على الفقر والعوز. فنشطت التجارة، وتطوّرت الصناعة والزراعة.

ث‌.   الحياة الأدبيّة
لمّا انقشعت غيوم الجهل، وكثر عدد المثقّفين، وتوفّرت أسباب الانطلاق والتفتّح، راح الأدباء يحاولون وضع مصّنفاتهم. ويمكن توزيعها على ثلاث مراحل:[4]
أ‌.        مرحلة التقليد:
فقد أخذ الشعراء يقلّدون السابقين، و خاصة العصر العباسي، مبنى ومعنى، فنظموا في المديح و الرثاء و المناسبات، و تبادلوا الرسائل المنمّقة شعرا و نثرا، و الغنية بالصور البيانية و البديعية، فأحموا البلاغة من جديد، و حلصوا اللغة العربية من شوائب العامية، و رقانة اللفظ الاعجمى.
و أبرز ممثلي هذه المرحلة الشيخ ناصيف اليازجي، و الشيخ يوسف الأسير، و أحمد فارس الشدياق، و محمود سامى البارودى و غيرهم.
ب‌.   مرحلة تلقيح القديم بالجديد:
وقد حاول ممغلوا  هذه المرحلة التعبير عن تجاربهم الخاصة في إطار الأصولية العربية، فطعموا إنتاجهم بما استوعبوه مما وصلهم من شكال غربية حديغة في الشعر ةالنغر. فاضافوا أشكالا جديدة كالشعر التمثيلي، والشعر القصصي الخرافي. ومن أعلام هذا الرعيل أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران. وقد عملو جميعا علي الإرتقاء بلغة الشعر، وتنقيتها من شوائب الضعف والركاكه مجاراة لعبقرية القدماء وأصوليتهم التعبيرية.
ت‌.   مرحلة التجديد:
وقد بدأ في مستهلّ هذا القرن، متأثرا بالمدارس والاتجاهات الشعرية الغربية، وخاصة الفرنسية والإنكليزية المشحونتين بالثورة الرومنسية. ورفض المهجريين للتقليد الآلي، والاهتمام بنقل التجربة الذاتية. فرز شعر التأمل، والحنين، والوطنيات، والوصف. وكان لشعراء هذا التيار فضل كبير في تخلّي بعض القصائد عن الوزن والقافية التقليديين استجابة للمشاعر والأحاسيس الإنسانية الحميمة.
أشهر أدباء هذا التيار جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي، وأحمد زكي أبو شادي.
ومع مطلع النصف الثاني من هذا القرن (القرن العشرين) برزت القصيدة بحلة جديدة تحمل هويّة الشعر وقالب النثر، ومن أهمّ روّاده. سعيد عقل، ونازك الملائكة، ونزار قباني، وخليل حاوي، وبدر شاكر السياب، وأنسي الحاج، وعبد الوهاب البياتي، ويوسف الخال، وأدونيس، وغيرهم.
  






[1] أحمد الإسكندى ومصطفى عنانى. 1916. الوسيط في الأدب العربي وتاريخه. مصر؛ دار المعارف
[2]
[3]
[4]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق